المراهقة من الناحية البيولوجية هي تلك المرحلة التي تبدأ من بداية البلوغ (
أي بداية النضج الجنسي ) حتى اكتمال نمو العظام وتقع هذه المرحلة عادة ما
بين الثانية عشرة والثامنة عشرة، وإن كانت هناك فروق فردية كبيرة من هذه
الناحية. وكان من المعتقد حتى وقت قريب أن
مرحلة المراهقة هي بطبيعتها
مرحلة " زوابع وعواصف نفسية " أو بمعنى آخر، فإن الاعتقاد الذي كان يسود في ذلك
الوقت هو أن الضغوط والاضطرابات النفسية التي نلاحظها على المراهق إنما هي
نتيجة طبيعية لما يمر به من تحولات بيولوجية .
على أنه يوجد من الآراء والملاحظات ما يعارض هذه الفكرة بشكل واضح حتى لقد أصبح الرأي السائد الآن هو أن مشكلات
المراهقة ـ إن وجدت ـ فإنها تكون في الواقع راجعة إلى الظروف الثقافية الاجتماعية
التي يعيش فيها الفرد وليس إلى مجرد تطوره البيولوجي فيمكننا أن نلاحظ
جميعا على سبيل المثال أن الصورة التي توجد للمراهق في الجهات الحضرية من
بلادنا قد لا يكون لها وجود بالمرة أو على أقل قد لا توجد بنفس الدرجة من
الحدة، في بعض الجهات الأخرى كالمناطق الريفية أو البدوية أو المناطق
البعيدة عن الحضر بشكل عام حيث يدخل المراهق في زمرة الكبار في وقت مبكر،
فتوكل إليه المسئوليات ويسمح له بالزواج وما إلى ذلك بمجرد أن يشتد عوده .
وقد قامت دراسات وأبحاث عديدة لتؤيد مثل هذه الملاحظات العرضية .
وخلاصة هذه الأبحاث هي:
أن فترة
المراهقة ليست بالضرورة فترة زوابع وعواصف نفسية .
أن ما يعتري المراهق من تغير في النواحي النفسية ليس نتيجة لازمة
للتغيرات البيولوجية التي يتعرض لها، وإنما هو نتيجة للتفاعل بين هذه
المتغيرات من ناحية وبين المتغيرات الثقافية التي يعيش فيها المراهق من
ناحية أخرى .
ذلك أن
مرحلة المراهقة تعتبر
مرحلة انتقالية من طفل يعتمد كل الاعتماد على الآخرين ( الكبار ) إلى راشد مستقل
مكتف بذاته . ولا شك أن ذلك الانتقال يتطلب تحقيق توافق من جديد تفرضه
ضرورات التمييز بين سلوك الطفل وسلوك الراشد في مجتمع ما . ولما كانت
الفترة التي يتم فيها هذا الانتقال قد تطول أو تقصر تبعا للثقافة التي تسود
ذلك المجتمع لذلك فبالرغم من أن جميع الأطفال، أينما كانوا يمرون بنفس
التحولات البيولوجية في
مرحلة المراهقة إلا أن التغيرات النفسية والاجتماعية التي تصاحب هذا التحول ليست نمطية بل
إن ظهورها بشكل أو بآخر إنما يرتبط أساسا بالثقافة التي يعيش فيها الطفل .
وقد وجد أنه في بعض الثقافات حيث تقام الطقوس والمناسبات التي ينتقل الطفل بعدها من الطفولة إلى الرشد مباشرة، لا تمثل
المراهقة سوى
مرحلة نمو سيكلوجي قصيرة نسبيا إذ تلقي على المراهق عندئذ المسئوليات والواجبات
التي يقوم بها باعتبار أنه قد أصبح الآن في عداد الكبار والراشدين .
أما في مجتمعاتنا الحديثة المعقدة فيحتاج الإعداد لمرحلة الرشد إلى وقت
أطول من ذلك بكثير فقد تطول فترة التعليم مثلا إلى سن الخامسة والعشرين أو
ما بعدها وهذا معناه أن يبقى الفرد معتمدا على الكبير في المجتمع الصناعي
التكنولوجي الحديث فترة طويلة حتى يستكمل الإعداد اللازم للقيام بدور
الراشد فما الذي يحدث في هذه الفترة ؟.